يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله :
( لست ولله الحمد أدعوا إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم ، بل أدعوا إلى الله وحده لا شريك له ، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم وأرجوا أني لا أرد الحق إذا أتاني ، بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلها على الرأس والعين ، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه فإنه لا يقول إلا الحق .. ) مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب - القسم الخامس (الرسائل الشخصية ) ص252
كان منارة للعلم والأسلام وكان إمام التوحيد والسنة والفقه كان شعلة تحمل هم الأمة
أولاً : نسبه :
هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد
بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي
بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن نهشل بن شداد بن زهير
بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد
بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
أما والدة الشيخ محمد رحمه الله ؛ فهي بنت محمد بن عزاز بن المشرفي الوهيبي التميمي ، فهي من عشيرته الأدنين .
فيقال : ( المشرفي ) نسبة إلى جده مشرف وأسرته آل مشرف ،
ويقال : ( الوهيبي ) نسبة إلى جده وهيب جد الوهبية ،
والوهبية يجتمعون في محمد بن علوي بن وهيب ، و هم بطن كبير من حنظلة ،
و حنظلة بيت من بيوت بني تميم الأربعة الكبار .
ويقال : ( التميمي ) نسبة إلى تميم أبي القبيلة الشهيرة ،
والتي ورد فيها ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب العتق (3/122 )
وفي كتاب المغازي (5/115- 116 ) ومسلم في فضائل الصحابة برقم ( 198 ) عن أبي هريرة واللفظ هنا لمسلم :
عن أبي زرعة قال : قال أبو هريرة : لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( هم أشد أمتي على الدجال ) ،
قال : وجاءت صدقاتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذه صدقات قومنا ) ،
قال وكانت سبية منهم عند عائشة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أعتقيها ؛ فإنها من ولد إسماعيل ) .
و يتضح من سرد نسب الشيخ المتقدم أنه يلتقي مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في إلياس بن مضر .
ولا أريد أن أتوسع في الحديث عن أسرة الشيخ رحمه الله حتى لا يخرج الموضوع عن أصله ،
و من أراد التوسع في ذلك فليراجع الكتب التالية : عنوان المجد لابن بشر (1/22 23 ، 62 - 63 )
و علماء نجد للبسام (1/310 - 311 ) و الدكتور العثيمين في كتابه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( ص 24 ) .
ثانياً : مولده ونشأته العلمية ..
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة ألف ومائة و خمس عشرة ( 1115 هـ ) ، من هجرة
المصطفى صلى الله عليه وسلم ، في بلدة العيينة على الصحيح .
تعلم القرآن وحفظه عن ظهر قلب قبل بلوغه عشر سنين ، و كان حاد الفهم وقّاد الذهن ذكي القلب
سريع الحفظ ، قرأ على أبيه في الفقه ،و كان رحمه الله في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير
والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام ، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه ومعرفة
نواقضه المضلة عن طريقه ، و جد في طلب العلم وأدرك و هو في سن مبكرة حظاً وافراً من العلم ،
حتى إن أباه كان يتعجب من فهمه ويقول : لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام .
وهكذا نشأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب نشأة علمية ؛ فأبوه القاضي كان يحثه على طلب العلم
و يرشده إلى طريق معرفته ، ومكتبة جده العلامة القاضي سليمان بن علي بأيديهم ، و كان يجالس
بعض أقاربه من آل مشرف وغيرهم من طلاب العلم ،
و بيتهم في الغالب ملتقى طلاب العلم وخواص الفقهاء سيما الوافدين باعتباره بيت القاضي ،
ولا بد أن يتخلل اجتماعاتهم مناقشات ومباحث علمية يحضرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب
أثر البيئة في توجيه الشيخ علمياً ..
لقد أبصر الشيخ البيئة من حوله بواقعها والناس في حياتهم ويدنهم على الغالب
في تناقض وتصادم مع ما نشأ عليه من علم وما عرفه من الحق على يد أبيه
ومن خلال مطالعته لكتب المحققين من علماء السلف الصالح ،
فما تعلمه في واد ، والواقع الجاري من الناس على العموم والغالب في واد آخر .
ذلك أن البيئة في نجد على الخصوص كما هو سائر البلاد الأخرى على العموم بيئة جاهلية
بيئة خرافة وبدعة امتزجت بالنفوس فأصبحت جزءاً من عقيدتها إن لم تكن هي عقيدتها .
ولاشك أن بيئة هذه عقيدتها مناقضة لما نشأ عليه الشيخ ولما تربى وتعلمه ..
فكان لابد أن يخرج إلى هذه البيئة يعاملها بمقتضى سنة الله في خلقه ، والشيخ بين أمرين :
إما أن يستسلم للبيئة ويصبح مثل الآخرين ، وإما أن يصمم على محاربة الخرافة المنتشرة ..
لكن قد اختار الشيخ رحمه الله على أن يقوم لله قومة انصدعت لها جبال الجاهلية
وتقطعت بها غيوم الباطل و شبهاته ، فعزم على تنحية البدع من الحياة التي حوله ،
و إيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين ، والعمل على نشر الإسلام والنور من الكتاب والسنة وسيرة الصالحين .
_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_
رحلة الشيخ وطلبه للعلم ..
هنا توجه الشيخ للرحلة في طلب العلم ؛ للتسلح بسلاح ماض قاطع ؛ فإن إنكار الشيخ لهذه الأمور الشائعة
جعلته في مواجهة مع علماء السوء وتلبيساتهم وشبهاتهم ، وتأليب العامة عليه ،
و تهتمهم إياه بالانحراف والجهل ، فكان كل ذلك يزيد من حرصه على تحصيل العلم وإدراك الحق ؛
فلابد أن يرحل في طلب العلم وتحقيق ما شرح الله له صدره من حقيقة هذا الدين القيم .
رحل الشيخ إلى مكة والمدينة والبصرة غير مرة ، طلباً للعلم .. ولم يتمكن من الرحلة إلى الشام
وعاد إلى نجد يدعوهم إلى التوحيد . راجع حول موضوع رحلات الشيخ المختلفة في طلب العلم
و شيوخه الذين أخذ عنهم ، كتاب : عقيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1/133 174 ) .
ولم يثبت أن الشيخ رحمه الله قد تجاوز الحجاز والعراق والأحساء في طلب العلم ،
أما ما تجاوز الحد من أنه سافر إلى الشام كما ذكره خير الدين الزركلي في الأعلام ،
وإلى فارس وإيران و قم وأصفهان كما يذكره بعض المستشرقين ونحوهم في مؤلفاتهم المعروفة
بالأخطاء و مجانبة الحقيقة ،فهذه الأشياء غير مقبولة ؛ لأن حفيد الشيخ ابن حسن وابنه عبد اللطيف
بن ابن بشر نصوا على أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يتمكن من السفر إلى الشام ،
أما ما يذكر من أنه سافر إلى فارس و غيرها من البلاد ، فإن أغلبهم قد اعتمدوا على كتاب لمع الشهاب
لمؤلف مجهول ، قال علامة الجزيرة حمد الجاسر : ولا تفوت الإشارة إلى أن كثيراً ممن كتبوا عن الشيخ محمد رحمه الله
انخدعوا بما جاء في كتاب لمع الشهاب ، .. إلى أن قال : وهذا الكتاب الذي لا يصح التعويل عليه ..
وبالإجمال ؛ فقد حرص مترجمو الشيخ محمد على تدوين كل ما يتصل برحلاته وبأسماء العلماء الذين تلقى العلم عنهم ،
وبذكر البلاد التي زارها ، ويكادون يتفقون على عدم صحة ما ورد في كتاب لمع الشهاب من ذلك .
انظر : مجلة العرب ( ج 10 ، السنة الرابعة ، ربيع الثاني عام 1390 هـ ، ( ص 943 944 ) .
أم ما زعم أن الشيخ درس اللغتين الفارسية و التركية ، والحكمة الإشراقية والفلسفة والتصوف
ولبس جبة خضراء في أصفهان ؛ فليس بثابت ، بل إنه أمر باطل و يستبعد ..
وليس في مؤلفات الشيخ وآثاره ما يدل على شيء من هذا ..
ثم إن من ذكر ذلك عن الشيخ كان ممن انخدع بمثل كتاب لمع الشهاب .
وقد رد على هذه الفرية العلامة حمد الجاسر
انظر : نفس المرجع السابق ( ص 944 ) .
بعد مضي سنوات على رحلة الشيخ رحمه الله في طلب العلم ، عاد إلى بلدة حريملاء
التي انتقل إليها والده بعد أن تعين عليها أمير جديد يلقب بخرفاش بن معمر
والذي لم يرق له بقاء الشيخ عبد الوهاب في القضاء ، فعزله عنه ،
فغادرها الشيخ عبد الوهاب إلى حريملاء وتولى قضاءها وأقام بها .
فأقام الشيخ محمد بعد عودته من رحلته العلمية في حريملاء مع أبيه يدرس عليه ويدعو إلى التوحيد
و يبين بطلان دعوة غير الله . انظر : الدرر السنية (12/5 ) .
لقد ابتلي الشيخ رحمه الله .. فصبر على البلاء و ثبت حتى جاوز الامتحان والابتلاء ،
و ما ذلك إلا تأييد الله له بروح منه وتقويته لإيمانه .. وأمثلة ذلك في حياته كثيرة ..
و لنأخذ مثلاً من أحوال الشيخ التي وقعت له ؛ ففي حالة إخراجه من العيينة طريداً منها
كان سبب إخراجه رحمه الله من العيينة هو أن ابن معمر خاف من حاكم الإحساء من أن يقطع عنه المعونة ،
فأخرج الشيخ رحمه الله من العيينة وتوجه إلى الدرعية ، فكان ابن معمر ممن آثر الدنيا على الدين
وباع العاجل بالآجل لما تعارض في صدره أمر صاحب الإحساء وأمر الله تعالى - ،
و قد افتقد الشيخ كل حظ من حظوظه الدنيوية المباحة ؛
افتقد ثقة الأمير وثقة الناس من حوله به و بما يدعو إليه من عقيد السلف الصالح ،
وافتقد المسكن و المكانة و جميع الحظوظ النفسية والغايات الدنيوية ومشى وحيداً
أعزل من أي سلاح ليس بيده إلا مروحة من خوص النخيل ،
لكن كان على ثقة من ربه ، والله قد قوي إيمانه حتى صغر في ميزانه
أمر صاحب الأحساء وخذلان ابن معمر له وفراق الوطن والمال والأهل والزوجة والمسكن
وما بقي لديه سوى الإيمان القوي بصحة عقيدة السلف الصالح ، و حسن الظن بالله ..
لقد سار من العيينة إلى الدرعية يمشي راجلاً ليس معه أحد في غاية الحر في فصل الصيف
لا يلتفت عن طريقه ويلهج بقوله تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }
و يلهج بالتسبيح ..
فلما وصل الدرعية قصد بيت ابن سويلم العريني ، فلما دخل عليه ؛
ضاقت عليه داره وخاف على نفسه من محمد بن سعود ،
فوعظه الشيخ وأسكن جأشه وقال : سيجعل الله لنا ولك فرجاً و مخرجاً . انظر : عنوان المجد لابن بشر (1/11 ) .
أما عن مؤلفات الشيخ فهي كثيرة جداً نذكر بعضاً منها..
قام الشيخ رحمه الله تعالى بتأليف عدد من الكتب والرسائل المهمة ،
و قد امتازت مؤلفات الشيخ رحمه الله بالأسلوب القرآني المحض
و أدلته كلها مأخوذة من القرآن والسنة ، و ذو أسلوب واضح
لا يوجد فيه أي تعقيد ، إلا أن اللغة ليست عالية جداً كما نشاهدها
عند ابن تيمية (ت 728 هـ ) وابن القيم (ت 756 هـ) .
و قد عرفنا من مؤلفات الشيخ الكتب التالية :
1- كتاب التوحيد : و هذه الرسالة هي من أشهر مؤلفاته ،
و الاسم الكامل هذا الكتاب هو : كتاب التوحيد الذي هو
حق الله على العبيد . و ذكر فيه الشيخ حقيقة التوحيد
و حدوده ، و الشرك و مفاسده .
2- كتاب كشف الشبهات : ونستطيع أن نسميه تكملة لكتاب التوحيد ،
والحقيقة أن جميع كتب الشيخ تتعلق بالتوحيد
و يمكن أن يقال أنها كلها تكملة لكتاب التوحيد .
3- كتاب الأصول الثلاثة : و هي معرفة الرب ، و معرفة دين الإسلام ،
و معرفة الرسول ، و هذه هي الأصول الثلاثة
التي وضحت في هذه الرسالة في أسلوب جذاب .
4- كتاب شروط الصلاة و أركانها : و قد شرحت هذه الرسالة
شروط الصلاة وهي : الإسلام ، والعقل ، التميز ، رفع الحدث
و إزالة النجاسة ، و ستر العورة و دخول الوقت واستقبال القبلة ،
والنية ، و ذكرت أركان الصلاة و واجباتها .
5- كتاب القواعد الأربع : حيث ذكر في هذه الرسالة بعض نواحي التوحيد
على طريقة مؤثرة و سهلة .
6- كتاب أصول الإيمان : و بين أبواب مختلفة من الإيمان بالأحاديث ،
و يظهر من عبارة في البداية ، أن بعض أولاد الشيخ قد أضاف إليها ،
و نصها : و قد زاد فيه بعض أولاده زيادة حسنة .
7- كتاب فضل الإسلام : و قد وضح فيه مفاسد البدع و الشرك ،
كما وضح شروط الإسلام .
8- كتاب الكبائر : ذكر فيه جميع أقسام الكبائر ، واحدة و احدة ،
مفصلة في أبواب ، و قد دعمت الأبواب كلها بنصوص الكتاب والسنة .
9- كتاب نصيحة المسلمين : و هذا كتاب مستقل قد جمع فيه أحاديث
تتعلق بجميع نواحي التعليمات الإسلامية .
10- كتاب ستة مواضع من السيرة : و هي رسالة مختصرة توضح ستة
أحداث من السيرة النبوية ، والمواضع الستة هي :
أ - ابتداء نزول الوحي .
ب - تعليم التوحيد و الرد على الكفار .
ج- قصة تلك الغرانيق العلى .
د- ختام أبي طالب .
هـ منافع الهجرة و عظاتها .
و- قصة الارتداد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .
11- كتاب تفسير الفاتحة : و هو تفسير موجز جداً لسورة الفاتحة .
12- كتاب مسائل الجاهلية : و ذكر فيه الشيخ مائة و إحدى و ثلاثين
مسألة خالف الرسول صلى الله عليه وسلم فيها معتقدات أهل الجاهلية .
13- كتاب تفسير الشهادة : و هو تفسير لكلمة لا إله إلا الله ، و قد ذكر فيها
أهمية التوحيد في أسلوب آخاذ و واضح .
14- كتاب تفسير لبعض سور القرآن : و هي مجموعة لبعض تعليقات
الشيخ على آيات و سور مختلفة من القرآن و قد استنبط عشرات من
المسائل من آية واحدة ، و هذه هي أهم مزاياها .
15- كتاب السيرة : و هو ملخص من كتاب السيرة لابن هشام .
16- الهدي النبوي : و هو ملخص لكتاب زاد المعاد للإمام ابن القيم رحمه الله .
و للشيخ عدة رسائل صغيرة أخرى غير ما ذكرنا ، و توجد بعض هذه
الرسائل في كتاب روضة الأفكار المجلد الأول الفصل الثالث والرابع .
وانظر أيضاً حول مؤلفات الشيخ كتاب : محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم مفترى عليه
ونظر أيضاً كتاب : عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وقد فصل في خلالها القول في
هذه الكتب و تحدث أيضاً عن الكتب التي نسبت إلى الشيخ مثل
كتاب : أحكام تمني الموت ، و كتاب :نصيحة المسلمين بأحاديث خاتم المرسلين ،
كذلك رسالة : أوثق عرى الإيمان .
ذكر المفتريات التي ألصقت بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ،
مع دحض لتلك المفتريات ..
الافتراء الأول : ادعاء الشيخ النبوة وانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم ..
الذي يظهر من العنوان أن هذه الفرية تتكون من شقين ،
لذا فإننا سنتحدث عن كل شق على حدة ..
إن معتقد الشيخ رحمه الله في مسألة ختم النبوة واضحة و منتشر
ة في مواضع كثيرة من مؤلفاته ، ففي رسالته لأهل القصيم لما سألوه
عن عقيدته قال :
( وأومن بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين و المرسلين ولا يصح
إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ) انظر : مجموعة مؤلفات الشيخ (5/10 ) ،
وانظر كلاماً مشابهاً في نفس المصدر (1/155 ، 195 ) و (3/8 ) ، و الدرر السنية (1/262 ) .
و يعتقد جلياً مما سبق ذكره اعتقاد الشيخ في مسألة ختم النبوة .
ومع هذا فإننا نرى بعض خصوم الشيخ و خصوم هذه الدعوة يسطرون فرية ادعاء
النبوة للشيخ ويسودون الصحائف بهذا البهتان ، ومن أوائل الذين ألصقوا بالشيخ
هذه الفرية ابن عفالق حيث يقول في رسالته التي ألفها رداً على عثمان بن معمر
أمير العيينة آنذاك :
( كما ادعا نزيله مسيلمة أي النبوة بلسان مقاله وابن عبد الوهاب حاله )
، وفي موضع آخر : ( والله لقد ادعا النبوة بلسان حاله لا بلسان مقاله ،
بل زاد على دعوى النبوة وأقمتموه مقام الرسول وأخذتم بأوامره ونواهيه ) .
إلى غيرها من المفتريات . انظر كتاب : دعاوى المناوئين (ص 81 82 ) .
ثم تبعه عدد من المفترين من أمثال : علوي الحداد في كتابه مصباح الأنام ( ص 4 ) ،
و حسن بن عمر الشطي في تعليقه على رسالة في إثبات الصفات للحازمي ،
و أحمد بن زيني دحلان الذي أشاع هذه الفرية وسطرها في كتبه ،
انظر : خلاصة الكلام ( ص 239 ) و الدرر السنية في الرد على الوهابية (ص 47 ) ،
وتلقفها من بعده خصوم آخرون من أمثال : العاملي في كتابه :كشف الارتياب عن أتباع
ابن عبد الوهاب ( ص 3 ) و جميل صدقي الزهاوي في كتابه : الفجر الصادق ( ص 17 ) ،
و مختار أحمد باشا المؤيد في كتابه : جلاء الأوهام ( ص 5 ) ، و عبد القادر الاسكندراني ،
انظر الرد عليه في كتابه : النفخة على النفحة لناصر الدين الحجازي ( ص 6 ) .
ثم أتى من بعدهم آخرون حاولوا نشر تلك الفرية بوسائل أخرى ، من أمثال :
السمنودي في كتابه : سعادة الدارين ( 1/36 ) ،
و محمد توفيق سوقية في كتابه : تبيين الحق والصواب ( ص 6 ) .
مما سبق نقله و ما ذكرته من اعتقاد الشيخ في مسألة ختم النبوة هو بحد ذاته
أعظم وابلغ الحجج في دحض ورد تلك الفرية الكاذبة الخاطئة ..
ومع ذلك فسأورد رداً واحداً في قمع هذه الفرية من باب الزيادة في إسقاطها ..
يقول الشيخ سليمان بن سحمان في كتابه : الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد :
والجواب أن يقال لهذا الملحد المفتري : هذا من أبطل الباطل وأمحل المحال وبطلانه من وجوه :
أنه زعم أنه يضمر دعوى النبوة ، وهذا أمر قلبي لا يطلع عليه إلى الله ،
فكيف ساغ له أن يدعي علم ما في القلوب مما لا يطلع عليه إلا علام الغيوب ،
أيدعي علم الغيب أو أنه يوحى إليه ، ومن ادعى ذلك فهو كافر ،
ثم ما هذه القرائن التي يزعم هذا الدجال المفتري أنها تظهر عليه بلسان الحال ،
فهلا ذكر قرينة واحدة من ذلك فإنا لا نعلم إلا دعوة الحق إلى إخلاص العبادة لله وحده .. الخ ( ص 12 ) .
انظر الردود على هذه الفرية : دعاوى المناوئين ( ص 84 90 ) .
و ننتقل إلى الشق الآخر من هذه الفرية وهو اتهام الشيخ وأتباعه
بانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم .
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذا الشأن :
ولما أراد الله سبحانه إظهار توحيده وإكمال دينه وأن تكون كلمته
هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى بعث محمداً خاتم النبيين
و حبيب رب العالمين ، .. إلى أن قال : إلى أن أخرج تلك الدرة من
بني كنانة وبني زهرة ، فأرسله على حين فترة من الرسل وهداه إلى
أقوم السبل ، فكان له صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على نبوته
قبل بعثته ما يعجز أهل عصره .. انظر : مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (4/28 ) ،
وانظر كلاماً آخر في : مجموعة مؤلفات الشيخ (1/190 ) و (5/113 ) و
(4/339 ) إلى غيرها من المؤلفات .. وانظر معتقد أتباع الشيخ رحمه الله في
هذه المسألة كتاب : دعاوى المناوئين ( ص 91 - 95 ) .
فهذه النقول السباقة ما هي إلا إشارات سريعة تعطي بياناً مجملاً لمعتقد
الشيخ رحمه الله في حقوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ..
أما افتراء الخصوم على الشيخ وأتباعه بأنهم يتنقصون رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، انظرها في نفس الكتاب السابق ( ص 95 99 ) .
يقول الشيخ رحمه الله في تكذيب هذا الافتراء : وما ذكره المشركون عليّ أني
أنهى عن الصلاة على النبي أو أني أقول لو أن لي أمراً هدمت قبة النبي صلى
الله عليه وسلم .. فكل هذا كذب وبهتان ، افتراه عليّ الشياطين الذين يريدون
أن يأكلوا أموال الناس بالباطل .. انظر : مجموعة مؤلفات الشيخ (5/52 )
. وانظر ردوداً أخرى من الشيخ ومن أتباعه من بعده في كتاب : دعوى المناوئين ( ص 99 112 )
سؤال وجواب
السؤال :
الشيخ الإسلام محمد عبد الوهاب لماذا هو محارب وكثير ما يقال فيه ويسمون من يتبعه بالوهابي ؟.
الجواب:
الحمد لله
لتعلم أخي أن من سنن الله تعالى في عباده المصطفين أن يبتليهم على قدر إيمانهم
ليبين الصادق من الكاذب ، كما قال سبحانه :
( ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت / 1 – 3 ،
وأشدّ أولئك العباد بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ،
كما صحّ ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ولو تأمّل الإنسان سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لوجد أنه – بأبي هو وأمي – قد أصابه من البلاء الشيءُ العظيم ،
حتى نُعت بأنه كذاب وساحر ومجنون ، ووُضع سلا جزور على ظهره ،
وطرد من مكة ، وأدميت قدماه الشريفتان في الطائف ،
حاله حال الأنبياء الذين كُذِّبوا من قبله صلوات ربي وسلامه عليهم .
والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد أصيب بما أصيب به
العلماء والدعاة المخلصون ، لكن كانت العاقبة في النهاية للحق الذي
كان يحمله ، وأنّى للحق أن يخبو نوره أو يعفو أثره ، ولك أن تتصوّر
أن يوفّق الله هذا الرجل بغرس التوحيد في أنحاء الجزيرة العربية
وأطرافها ، ويقضي على جلّ صور الشرك وأشكاله ، وهذا إن دلّ
فإنما يدلّ على إخلاصه وتفانيه في دعوته فيما نحسب ،
مع ما اقترن ذلك من سداد الله له وتوفيقه إياه .
وأما أعداء الدعوة فلم يألوا جهداً في إلصاق التهم الباطلة به ،
فزعموا – وهم كاذبون – بأن الشيخ يدّعي النبوة ، وأنه ينتقص
من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه يكفّر الأمة جزافاً ..
إلى غير ذلك من الافتراءات التي أُلصقت به ، ومن ينظر إلى تلك
الدعاوى يعلم يقيناً أنها محض كذب وافتراء ، وكتب الشيخ المبثوثة
أكبر شاهد على ذلك ، وأتباعه من الذين استجابوا لدعوته لم يذكروا
ذلك أيضاً ، ولو كان الأمر كما ادّعى المدّعون لأبان ذلك أتباعُه ،
وإلاّ كانوا له عاقّين غير بارّين ، ولو أردت الاستفصال في هذا الأمر
واستجلاء ما خفي عليك من حقائق فعليك بالرجوع إلى
كتاب " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب"
للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف . فإنك ستجد فيه ما يشفي تساؤلاتك بإذن الله .
أما نعت أتباعه ( بالوهابية ) فما هو إلاّ مسلسل من مسلسلات
افتراءات أعداء الدعوة فيه أيضاً ، ليحولوا الناس عن دعوة الحق ،
وليبنوا بين دعوته وبين الناس جداراً وحاجزاً يحول دون بلوغ الدعوة ،
ولو تأمّلت قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه
لوجدت أحداثها تقارب ما حصل لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب .
فقد أورد ابن هشام في السيرة (1/394) أن الطفيل خرج قاصداً مكة ،
فتلقفته قريش على أبوابها وحذرته من السماع من محمد صلى الله عليه وسلم ،
وأوحوا إليه بأنه ساحر وأنه يفرّق بين المرء وزوجه ... ،
فلم يزالوا به حتى عمد إلى قطن فوضعه في أذنيه ،
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حدّث نفسه بأن ينزع القطن ،
ويسمع منه ، فإن كان ما يقوله حقاً قبل منه ، وإن كان ما يقوله باطلاً وقبيحاً ردّ ،
فلما استمع إليه ما كان منه إلاّ أن أسلم في مكانه .
نعم أسلم بعد أن وضع القطن في أذنيه ، وهكذا ينهج المناوئون لدعوة
الشيخ محمد بن عبد الوهاب نهج قريش في الافتراء ، ذلك لأن قريشاً
تدرك تمام الإدراك أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم تلامس شغاف
القلوب والأفئدة ، وتهتدي إليها الفطرة ، فعمدوا إلى تهويل أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليحولوا دون بلوغ الناس الحق ،
وهكذا نرى الذين يتكلمون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه
يعيدون نفس الفصول والمؤامرات التي حيكت حيال الدعوة الأولى .
وعليك أخي الكريم – إن كنت تنشد الحق – أن لا تترك لتلك الدعاوى مجالاً
لسمعك وقلبك واقصد الحق في المسألة بالنظر إلى كتب الشيخ محمد ،
فكتبه أعظم دليل على كذب القوم والحمد لله .
وثمت أمرٌ آخر لطيف وهو أن اسم الشيخ هو ( محمد ) والنسبة إليه محمدي ،
أما ( وهّابي ) فهو نسبة إلى الوهّاب ، والوهاب هو الله تعالى كما قال :
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) آل عمران /8 .
والوهاب كما قال الزجاج في اشتقاق أسماء الله ص : 126 : " الكثير الهبة والعطية ،
وفعّال في كلام العرب للمبالغة، فالله عز وجل وهّاب يهب لعباده واحداً بعد واحد ويعطيهم " .
ولاشك أن سبيل الوهّاب هو السبيل الحق الذي لا اعوجاج فيه ولا افتراء ،
وحزبه غالب ومفلح ( ومن يتولّ الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون ) المائدة /56 ،
( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) المجادلة/22 .
وقديماً اتهموا الشافعي بالرفض فردّ عليهم قائلاً :
إن كان رفضاً حبّ آل محمد *** فليشهد الثقلان أني رافضي
ونحن نردّ على من يتّهمنا بالوهابية بقول الشيخ ملا عمران الذي
كان شيعياً فهداه الله إلى السنة ، قال رحمه الله :
إن كان تابع أحمد متوهّباً *** فأنا المقرّ بأنني وهّابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي *** ربٌ سوى المتفرّد الوهّاب
نفر الذين دعاهم خير الورى *** إذ لقّبوه بساحرٍ كذّاب
( انظر : منهاج الفرقة الناجية للشيخ محمد جميل زينو ص : 142 – 143 )
والله تعالى أعلم
يتبع.......